كتب التفسير الاسلامية .. بين التاريخ والخرافة

لقد تمترس الفكر الديني الإسلامي خلف تصور توراتي للقصص القرآنية وأعطاها صفة التاريخية المحكمة، فوقع في مآزق ومطبات حال مواجهته لرموز وأحداث خارجة عن هذا التصور أو معارضة له. وفي محاولة للخروج من ذلك المأزق، راح يختلق تأويلات عجيبة غريبة لم تنجه من المأزق بل أسقطته في مأزق أكثر تعقيدا.

لقد وردت قصص إبراهيم وسلالته في القرآن، ولكن القرآن لم يضع قصصهم في إطار تاريخي ولم يحدد الزما ن والمكان إلا في إطار ما يخدم القصة والعبرة المقصودة منها. لقد اتفق مؤرخوا التراث الاسلامي مع المؤرخين التوراتيين في كون العراق القديم موطن النبي إبراهيم الأول ، ولقد ورد في قول الثعلبي النيسبوري( قصص الأنبياء، أو عرائس المجالس، المكتبة الثقافية، بيروت، ص: 72 )” أن العلماء اختلفوا في الموضع الذي ولد فيه وقال عامة أهل السلف من أهل العلم : ولد إبراهيم عليه السلام زمن نمرود بن كنعان”.

يجب الإعتراف بأنه لم يرد اسم نمرود بن كنعان هذا في أي وثيقة تاريخية في المنطقة، ولقد بحثت عن هذا الاسم في كتب تاريخ ما بين النهرين والوثائق المنشورة في هذا الصدد فلم أجد هذا الاسم أو شبيها له بين ملوك ما بين النهرين الذين حكموا هذه البلاد في أي مرحلة من مراحل التاريخ . أما ابن كثير( البداية والنهاية، دار الكتب العلمية، بيروت ط4، 1988 ،ج1 ،ص: 132 ) فيقول أن أرض إبراهيم عليه السلام التي ولد فيها هي أرض الكلدانيين، يعنون أرض بابل ، وهذا هو الصحيح المشهور، عند أهل السيرة والتاريخ”. ويقول: في نفس المصدر : “أن تارخ انطلق بابنه إبراهيم وزوجته ساره وإبن أخيه لوط ابن هاران، فخرج من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين، فنزلوا حاران، فمات تارخ وله مئتان وخمسون سنة، وهذا يدل على أنه لم يولد بحاران وإنما مولده بأرض الكلدانيين”.

وإذا كان كتبة التوراة قد استغلوا الأسطورة في سبيل خدمة هدفهم الديني ، فإن كتبة التراث الإسلامي ومؤرخوه تجاوزوا ذلك وسرحوا في الخيال العجيب الغريب. يقول مؤرخوا التراث الإسلامي أن نمرود هذا كان حاكما طاغيا غالى في طغيانه ، وأخذ يجبر الناس على عبادته، وذات يوم ذهب إليه كبير كهانه وعرافيه وأخبره أنه قد آن أوان ميلاد شخص جليل، وأنه على يد هذا الشخص سينتهي شأن نمرود . فما كان من هذا الملك الطاغي إلا أن أمر بتقتيل جميع الذكور الذين ولدوا في هذا العام.. ولما أتى أم إبراهيم المخاض توجهت إلى مغارة في الجبل، حيث وضعت وليدها هناك ، وتركته تحت رحمة الأقدار وعادت إلى القرية. وبعد ثلاثة أيام عادت لترى وليدها في المغارة حيث تركته، وهناك وجدت الوحوش والطيور حاشدة عند باب المغارة، فخافت أن يكون قد أصاب ابنها سوءا ، فدخلت المغارة، فألفته سليما معافا، يجلس على فراش من سندس. ولقد لاحظت أنه يمص أصابعه وأن لبنا يخرج من إصبع وعسلا من إصبع آخر، وماء من الثالث. وكان اليوم يمر على إبراهيم عليه السلام كالشهر ،والشهر كالسنة. فلم يمكث إبراهيم في المغارة إلا خمسة عشر يوما ، حتى جاء إلى أبيه آزر ليخبره أنه ابنه.( محمد حسن عبد الحميد: أبو الأنبياء،إبراهيم الخليل، تقديم حسين محمد مخلوف، مفتي الديار الإسلامية سابقا، دار سعد القاهرة، ط1، ص: 18 ، و الثعلبي النيسبوري: عرائس المجالس، نفس المصدر،ص: 76 )

يصل خيال كتبة التراث الذروة، في وصف النهاية التي لقيها الملك الطاغي نمرود، حيث أرسل الله على قومه ذبابا من البعوض ، بحيث لم يروا عين الشمس، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بالية، ودخلت واحدة منها في منخر الملك ، فمكثت أربعمائة سنة، عذبه الله بها ، فكان رأسه يضرب بالمرازب هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل.( ابن كثير: البداية والنهاية،نفس المصدر، ج1 ، ص: 141 )

كانت سارة زوجة إبراهيم حسب كتبة التراث عقيمة لا تلد، ولقد بلغت من الكبر عتيا، فأشارت على زوجها أن يدخل بخادمتها المصرية هاجر فانصاع لرأيها. حملت هاجر من إبراهيم و أنجبت غلاما سماه إسماعيل، فندمت سارة على فعلتها ودبت الغيرة إلى قلبها، فطلبت من إبراهيم إقصاء هاجر و طفلها عن دارها، فأذعن لإرادتها، وكان الله أوحى إليه أن يطيع أمرها، حسب ما ورد في كتب التراث. ركب إبراهيم دابته واصطحب الغلام وأمه و سار ترشده إرادة الله و عنايته، حتى وقف عند مكان البيت، فأنزل هاجر و ابنها، وتركهما في تلك البقعة الجرداء وهما ضعيفان لا يملكان سوى مزود به قليل من الطعام وسقاء فيه شيء من الماء. و يصف لنا كتبة التراث صورة مأساوية للمرأة المسكينة التي أخذت تستعطف إبراهيم و تسترحمه و تسيل بين يديه الدموع الغزيرة، ولكنه لم يستمع إلى قولها ، ولم تلن قناته لرجائها، وتركهما وحيدين في تلك البقعة النائية، فاستسلمت لأمر الله و رحمته. راحت هاجر تبحث عن الماء والغذاء حتى قرعت صفاة الصفا، ثم عادت فزعة مذعورة وسعت نحو سراب حسبته ماء عند المروة، حتى إذا جاءته لم تجد شيئا، ثم كرت راجعة إلى هدفها الأول ورجعت إلى الثاني, و هكذا سعت سعي المجهود سبعة أشواط ، وهو أصل السعي الذي يقوم به الحجيج .

أخذ الطفل إسماعيل يتلوى جوعا وعطشا وأمه تنظر إليه ولا حول لها ولا قوة، ونظرت إليه بعيون ملؤها اللوعة وهو يضرب برجليه الأرض من شدة العطش فإذا الماء قد انبجس من تحت قدميه ،وسال بين رجليه. تأكدت هاجر بأن رحمة الله تحوطها فشربت حتى ارتوت و أسقت ابنها. هذه العين هي زمزم ولا تزال قائمة يزدحم حولها الحجيج علهم يفوزون بقطرة أو شربة منها.

أمر الله إبراهيم ببناء الكعبة فمضى إلى أرض الحجاز وجد في البحث عن ابنه (؟) فلما وجده أخبره أن الله أمره ببناء بيت الله في هذا المكان وأشار إلى أكمة مرتفعة وما حولها. كان إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، ويعتقد كتبة التراث أن قوة خفية كانت تساعدهما لأن إبراهيم كان قد بلغ من الكبر عتيا ولم يكن ليستطيع وحده القيام بذلك العمل الشاق . و لما ارتفع البناء و قصرت يد إبراهيم أن تنال أعلى البناء طلب من إسماعيل أن يأتيه بحجر يقف عليه، فذهب إسماعيل يبحث حتى وجد الحجر الأسود فقدمه إلى أبيه، و هكذا تم بناء البيت الذي جعله الله مثابة للناس يحجون إليه كل عام في شهر الحج.

قصة يوسف تبدأ ب” إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين” ( يوسف 4) و وفي تفسير ابن كثير أن الشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه و أن الاحدى عشر كوكبا هم أخوته. ويضيف البيضاوي في تفسيره أن الشمس والقمر نزلتا من السماء إلى الأرض وسجدن ليوسف(كذا؟). أما البغوي في تفسيره فيقول عن بعض أهل السلف أن النجوم أخوته والشمس أبوه والقمر أمه وعن ابن جريح أن القمر أبوه لأنه مذكر والشمس أمه لأنها مؤنثة،وقيل بل خالته لأن أمه كانت قد ماتت .

نعلم من الآيات القرآنية أن يوسف كان جميل الصورة وأنه حين شاعت قصة يوسف وامرأة العزيز لامتها صاحباتها على فعلها وهي ذات الحسب والمقام ، فدعتهن إلى بيتها لرؤيته فصعقن بجماله حتى أنهن وهن ينظرن إليه جرحن أياديهن بالسكاكين وقلن حاشا لله ما هذا بشر إن هذا إلا ملاك كريم .( يوسف 30-32 ) . طبعا لم تكتف كتب التراث بوصف يوسف بالجميل وإنما راحت تتبارى بوصف هذا الجمال. ففي تفسير ابن كثير أن بعض أهل السلف قال أن الرسول محمد مر بيوسف في السماء الثالثة فقال: فإذا هو قد أعطي شطر الحسن. البعض الآخر قال أن وجه يوسف كان مثل البرق وكان إذا أتته المرأة لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتن به. بعض اهل السلف قال أن يوسف أعطي وأمه ثلث الحسن والناس الثلثين، والبعض الآخر قال بل أعطي وامه الثلثين والناس الثلث، وذهب بعضهم إلى أن الله قسم الحسن إلى قسمين فاعطى يوسف وأمه نصف الحسن والنصف الآخر بين سائر الخلق.

كتب التراث تبني قصة ميلاد موسى وترعرعه حسب حديث التوراة ، فنراها تصر على أن موسى ينتمي إلى القبيلة الإسرائيلية و تقول أن أم موسى هي يوكابد ( قصص القرآن) وقال القرطبي في تفسيره، عن الثعلبي، أن اسمها لوحا بنت هائد بن لاوي بن يعقوب .

وكان على مصر فرعون طغى وتكبر وعلى في الأرض و ” جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم ” ويجمع المفسرون وكتبة التراث أن هذا القول يعني بني إسرائيل ويضيف ابن كثير في تفسيره ” وكانوا في ذلك الزمان خيار أهل زمانهم” ولقد سلط عليهم الملك الجبار يستعملهم في أخس الأعمال ويقتل أبناءهم ويستحي نساءهم ، إذ تقدم الكاهن من فرعون وقال له : يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده. أما ابن كثير فيقول وكان القبط ويعني بهم أهل مصر قد تلقوا هذا على يد بني إسرائيل. وأما القرطبي فيقول في تفسيره وكانت الكهنة قد أخبرت الملك بذلك ، أو قال المنجمون أو رأى رؤيا.

يقول ابن كثير في تفسيره الآية ” فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين”، أن عصى موسى انقلبت إلى حية عظيمة فارغة فاهها متجهة نحو فرعون، فلما رآها فرعون قادمة نحوه اقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يبعدها عنه فأبعدها . وعن قتادة أنها كانت أفعى ضخمة بضخامة مدينة. وعن آخرين أنها كانت من الثعبان الذكر فاتحة فاهها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والآخر على سور القمر، وعن ابن عباس أن الحية سببت يومها في موت خمسة وعشرين ألف رجل قتل بعضهم بعضا.

لا تفصل الآية( الأعراف 133 ) نوع و كمية الجراد والقمل والضفادع والدم الذي أرسله الله على فرعون وملأه، وما أحدثته بهم. أما المفسرون فشطحوا في وصف النوع والكم والنتائج. فابن كثير في تفسيره بأن النبي (ص) وصف الجراد بأنه جند الله الأعظم. وعن بعض أهل السلف أن الجراد الذي أرسل إلى فرعون ،كانت تأكل مسامير أبوابهم وتدع الخشب، وعن الأوزاعي أنه قال: خرجت إلى الصحراء فإذا أنا برجل من جراد في السماء، فإذا برجل راكب على جرادة منها وهو شاك في الحديد، وكلما قال بيده هكذا، مال الجراد مع يده. وعن شريح القاضي أنه قال عندما سئل عن الجراد: قبح الله فيها خلقة سبعة جبابرة، رأسها رأس فرس وعنقها عنق ثور وصدرها صدر أسد وجناحها جناح نسر ورجلاها رجل جمل وذنبها ذنب حية وبطنها بطن عقرب . وعن بعض أهل السلف أن السمك إذا باض على ساحل البحر ونضب الماء عنه وبدا للشمس ، يفقس كله جرادا طيارا.

أما القمل فيذكر ابن كثير عن ابن عباس أنه السوس الذي يخرج من الحنطة، وكان الرجل من آل فرعون يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلم يرد منها إلا ثلاثة. أما الضفادع فكان الرجل منهم يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، وإذا تكلم يثب الضفدع إلى فيه. أما القرطبي في تفسيره فيضيف أن الجراد أكل مزروعات القبط وثمارهم – ويعني بالقبط أهل مصرحتى أنها كانت تأكل السقوف والأبواب فتنهدم ديارهم ، ولم ينس أن يذكرنا بأن دور بني إسرائيل لم يدخل لها شيء، ولم يصب بني إسرائيل بأي أذى، تماما كما ورد في التوراة. أما الدم فحسب تفسير بن كثير ، ما استقوا من آبار والأنهار وما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبيطا. ويقول القرطبي دام الدم في أوعيتهم وآبارهم و أنهرهم سبعة أيام وعن بعض أهل السلف أربعين يوما.

ولقد شطح المفسرون حتى فاقوا في بعض الأحيان كتبة التوراة. ففي تفسير الآية 160 من سورة الأعراف (ومثيلتها الآية 60 من سورة البقرة) والتي تقول : وقطعناهم اثنتى عشرة اسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتى عشر عينا … الى آخر الآية. قالوا كان حجرا معينا مربعا على قدر رأس الرجل وقيل على قدر رأس الثور، وكان موسى يضعه في مخلاته وقيل كان يحمله ثورا، فإذا احتاجوا إلى الماء وضعه وضربه بعصاه ، وقيل عن عطاء أنه كان للحجر أربعة وجوه لكل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين، وقيل كان من الرخام وعن آخرين أنه كان من الكذان. وعن سعد بن جبير أن موسى وضع ثوبه على الحجر ليغتسل ففر الحجر بثوبه( تفسير البغوي) ، وعن عطاء أنه عندما كان موسى يضرب الحجر ، يظهر على موضع الضربة مثل ثدي المرأة تنفجر منها الأنهار. وورد في تفسير البيضاوي أن الحجر أهبطه آدم من الجنة وكان عند النبي شعيب فأعطاه لموسى مع العصى ، وكانت عصى موسى من آس الجنة ولها شعبتان تتقدان . كما فسروا ” ورفعنا فوقكم الطور” ( البقرة 63 ) أن بني إسرائيل استثقلوا شرائع التوراة بما فيها من أوامر ونواهي فأمر الله جبلا من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم ، وقيل أمر جبريل فقلع الطور ورفعه فوق رؤوسهم، وقال لهم إن لم تقبلوا التوراة أرسلت هذا الجبل عليكم ، وعن عطاء عن ابن عباس أن الله رفع فوق رؤوسهم الطور وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر المالح من خلفهم . وفي تفسير الآية 79 من سورة البقرة “فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ” عن سعيد الخدري أن النبي (ص) قال أن “ويل” هو واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا حتى يصل قعره والصعود جبل من نار يتصعد في سبعين خريفا ثم يهوي ثانية.

اختلف المفسرون في ماهية تابوت موسى فقيل عن ابن عباس أن الملائكة جاءت تحمل التابوت بين السماء والأرض فوضعته أمام طالوت والناس ينظرون. و قال بعض أهل السلف جاءت الملائكة تسوقه على عجلة على بقرة وفي رواية أخرى على بقرتين. و قيل أن التابوت كان في أريحا عند الكفرة، فأصاب أهلها مرض في رقابهم فأمرتهم جارية من سبي بني إسرائيل أن يردوه إلى أهله بني إسرائيل حتى يخلصوا من هذا الداء، فحملوه على بقرتين إلى بني إسرائيل. أما القرطبي فيقول أن التابوت كان عند آدم عليه السلام ثم وصل إلى يعقوب عليه السلام فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم . وورد في تفسير البغوي أن التابوت كان من عود الشمشاذ، نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين كان عند آدم إلى أن مات ثم توارثه أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم وورثه عنه بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى وكان يضع فيه التوراة وبقية من ملابسه وبعد موته ورثه أنبياء بني إسرائيل. وقيل أن التابوت عندما وقع في أيدي الكفار وضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام وكانت الأصنام تصبح منكوسة ، وقيل وضعوه تحت صنمهم الكبير فأصبحوا وإذا به فوق الصنم الكبير، وقيل أيضا في جملة ما قيل أنهم وضعوه في مخرأة قوم فكان يصيبهم الباسور. وقيل كذلك أن الملائكة أعادت التابوت وأنهم رأوا التابوت في الهواء حتى نزل بينهم .

ونجد في سورة القصص الآية 38: ” وقال فرعون يا ايها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فاوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحاً لعلي اطلع الى إله موسى”. وفي سورة غافر الآية 36 : ” وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الاسباب”.

ومن المعروف أن هامان كان وزيرالملك اهاسورس ملك فارس الذي حكم من الهند الي الحبشة، ولم يكن وزير فرعون. وفي تفسير القرطبي للآية 38 من سورة القصص عن ابن عباس أن هامان هو أول من صنع الآجر. ويحثنا تفصيلا كيف طبخ الآجر وجمع الخشب والمسامير من أجل بناء الصرح. ولقد بنى صرحا لفرعون بحيث لم يبلغه بنيان منذ خلق الله الأرض. وعن السدي أنه قال: صعد فرعون إلى السطح ورمى بنشابه إلى السماء فرجعت متلطخة بالدماء فقال لقد قتلت إله موسى. وروي أن جبريل ضرب الصرح بجناحية فقطعة ثلاث قطع. قطعة سقطت على جيش فرعون فقتلت ألف ألف وقطعة سقطت في البحر وقطعة في الغرب فهلك كل من عمل فيه شيئا.

راح المفسرون يشطحون في شرح من هو جالوت الذي قاتله داوود. يقول الزمخشري في تفسيره أن جالوت جبار من العمالقة من أولاد عمليق بن عاد، وكانت بيضته فيها ثلاثمائة رطل. أما القرطبي فيقول : وكان جالوت أمير العمالقة وظله ميل، وكان من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده. وقيل أنه في تلك الواقعة كان في ثلاث مائة ألف فارس . ويتفق المفسرون أن داود قتل جالوت بمعلاق كان في يده ، رماه به فأصابه فقتله، ولقد ورد في تفسير البغوي عن أهل التفسير أن الحجر الذي ضرب به داود كان حجر موسى ولقد كلم داود وقال له أنا حجر موسى الذي قتل به كذا فاحملني ، أنا سلاحك الذي ستقتل به جالوت ، فحمله داود ووضعه في مخلاته .

داود حسب كتبة التراث حسن الصوت إذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع إليه الإنس والجن والطير والوحش ،ويزيد ابن كثير في تفسيره أن داود كان إذا ترنم بالزبور وقفت الطيور في الهواء فتجاوبه، وترد عليه الجبال تأويبا، وفي تفسير القرطبي، كان الماء الجاري يقف عن الجري حين يسمع صوته. وورد في تفسير القرطبي عن ابن عباس أن الله أعطى داود سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ورأسها عند صومعة داود ، فكان لا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فيعلم داود بما حدث ، ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ ، وكانت علامة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفهم على صدورهم ، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود إلى أن رفعت. وعن ابن عباس أيضا أن داود كان أشد ملوك الأرض سلطانا. كان يحرس محرابه كل ليلة نيف وثلاثون ألف رجل، وقيل أربعون ألف مدججون بالسلاح .

أما سليمان فكان له جنود من الإنس والجن والطير، وكان سليمان يتقن منطق الحيوانات والطيور، والنمل، كما نفهم أن الله طوع الريح بأمر سليمان كما طوع له بعض من الجن تعمل بين يديه،وتصنع له المحاريب والتماثيل. أما بالنسبة لمعرفة سليمان بمنطق الحيوانات والطيور ، قال بعضهم أن الطيور والحيوانات كانت في ذلك الزمان تتكلم بلغة البشر ، ولكن الأكثرية تنكر هذا القول، و تقول أن الله وهب سليمان هذه المقدرة ، وهذا شيء لم يعطه الله سبحانه لأحد من البشر غير سليمان. وكان سليمان إذا سار تتبعه الأنس والجن وهم بعدهم في المنزلة والطير فوق رأسه يوزعون كل حسب صنفه ومرتبته. وورد في تفسير القرطبي عن مقاتل أن سليمان كان أعظم ملكا من داود وأقضى منه وكان داود أكثر تعبدا، وعن آخرين أنه لم يبلغ أحد من الأنبياء ما بلغ ملك سليمان وأتاه ما لم يؤت أحد من العالمين. وهناك عشرات الأمثلة يوردها كتبة التراث والمفسرون عن أحاديث سليمان مع الطيور والحيوانات لا مجال لذكرها هنا. وتبارى كتبة التراث والرواة والمفسرون في وصف عظمة مملكة سليمان وفي عدد جنوده. ولقد ورد في تفسير الطبري أن معسكر جند سليمان كان مائة فرسخ في مائة: خمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية. وعن ابن عطية أنه قال : اختلف الناس في معسكر سليمان وعدد جنده اختلافا شديدا ولكن الصحيح أن ملكه كان عظيما ملك الأرض وانقادت له المعمورة كلها( كذا؟). وقال قتادة : كان لكل صنف وزعة في رتبتهم و مواضعهم من الكرسي ومن الأرض إذا مشوا فيها. وقيل أن الشياطين نسجت له بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريس ، وكان يوضع له كرسي من ذهب وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة. وفي تفسير الآية ” ولسليمن الريح غدوها شهر ورواحها شهر” ورد في تفسير ابن كثير عن حسن البصري أنه قال : كان سليمان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغدى بها ويذهب رائحا فيبيت في كابل، وبين دمشق واصطخر شهر كامل للمسرع وبين اصطخر و كابل شهر كامل للمسرع . ولقد ورد نفس الحديث في تفسير القرطبي و لكن اختلف في طول المسيرة بين دمشق واصطخر وبين تلك وكابل فقال شهران بدل الشهر الواحد، وفي تفسير البغوي عن أهل السلف أن سليمان كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند. وفي تفسير القرطبي عن ابن عباس أنه قال : كان سليمان إذا جلس نصبت حواليه أربعمائة ألف كرسي ، ثم جلس رؤساء الإنس مما يليه، وجلس سفلة الإنس مما يليهم ، وجلس رؤساء الجن مما يليهم ثم جلس سفلة الجن مما يليهم، وموكل بكل كرسي طائر لعمل قد عرفه، ثم تقلهم الريح ، والطير تظللهم من الشمس، فيغدو من بيت المقدس إلى إصطخر ، فيبيت ببيت المقدس. وعن ابن زيد أنه قال : كان مستقر سليمان في مدينة تؤمر، وكان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأصفر . وقيل عن ابن عباس كان سليمان يجلس على سريره ثم توضع كراسي حوله فيجلس عليها الانس ثم الجن ثم الشياطين ، ثم تأتي الريح فترفعهم ثم تظللهم الطير ثم يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهرا ورواحها شهرا .

قصة سليمان وملكة سبأ أخذت في التراث الاسلامي حيزا كبيرا وتبارى الرواة في إعادة حبك القصة وتأطيرها جغرافيا وتاريخيا. تحدثنا كتب التراث عن ملكة سبأ فتفيض في الحديث ،ولقد اختلفوا في تحديد نسبها. وورد في تفسير ابن كثير عن حسن البصري أنها بلقيس بنت شراحيل ، وعن قتادة أن أمها كانت جنية وكان مؤخر قدميها مثل حافر الدابة. وذكر عدد غير قليل من المؤرخين العرب أن أمها كانت ابنة ملك الجن، ودعموا هذا القول بأحاديث عن الرسول محمد. وفي كتيب ” قصص من القرآن الكريم في أسلوب عصري (؟) مشوق” تأليف محمد كامل حسن المحامي ، منشورات المكتب العالمي،بيروت ، ورد روايات طريفة عن زواج والد بلقيس بالجنية،منها : أن والد بلقيس كان مولعا بالصيد ، وكانت الجن في بعض الأحيان تتخذ أشكال الظباء، فكان والد بلقيس إذ اصطاد ظبية ورأى الدموع في عينيها، عرف أنها من الجن فيطلق سراحها. ولقد سر ملك الجن بذلك فزوجه ابنته. وفي رواية أخرى أنه خرج للصيد فرأى حيتين تقتتلان ، وكانت احداهما بيضاء والأخرى سوداء فقتل السوداء ، وفي المساء جاءه شاب وسيم أخبره أنه الحية البيضاء التي أنقذها وأن الحية السوداء كانت شيطانا أسودا، فعرف والد بلقيس من الجن ، وكان ما كان حتى زوجه الجن أجمل بناتهم.

تتابع كتب التراث حديثها عن قصة سليمان و ملكة سبأ فتقول أنه عندما طلب سليمان من حاشيته أن يأتوه بعرش ملكة سبأ ،قال عفريت من الجن، أي مارد من الجن ، أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك . شطح الرواة في علم الخيال حين شرحوا كيف وصل عرش ملكة سبأ إلى سليمان، فقيل أن العرش غاص في الأرض ثم نبع بين يدي سليمان، وكان الذي جاء به من عباد البحر. وقيل بل جيء به في الهواء، وورد في تفسير القرطبي عن مجاهد أنه كان بين سليمان والعرش كما بين الكوفة والحيرة، وقال مالك كان العرش في اليمن وسليمان في الشام ، وقيل انخرق بعرش بلقيس مكانه الذي هو فيه ونبع أمام سليمان، وعن عبدالله بن شداد أنه قال: وظهر العرش من نفق تحت الأرض .

وحتى لا نطيل على القارئ نكتفي بهذا القدر ومن أراد أن يقضي وقتا ممتعا وأن يسبح في الخيال الخرافي الذي رسمه كتبة التراث يمكنه أن يرجع للكتب التي تتحدث عن القصص القرآنية أو لكتب التراث نفسها وهي كثيرة.

القصص والأساطير والخرافات هي جزء من ثقافة الشعوب. كل شعب له أبطاله الأسطوريون وقصصه الأسطورية وخرافاته ولا ضرر في ذلك. الضرر هو حين يحول رجال الدين الأسطورة والخرافة إلى حقيقة تاريخية فيخلط التاريخ بالأسطورة والخرافة. وأسوأ من هذا جميعه هو أن ينسب ذلك التاريخ المؤسطر إلى عدو يدعي بناءا على هذا التاريخ حقه التاريخي والديني في وطننا. حينها تصبح الأسطورة مسيسة بامتياز وتخدم أهداف العدو الإستعمارية ويجب إعادة صياغتها.

د.نضال الصالح/فلسطين

 

أضف تعليق